الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة جائزة محمود درويش للشعر والآداب والفنون: احتفال بالمقاومة الجمالية وتكريم لإرثين أدبيين خالدين

نشر في  26 جوان 2025  (11:46)

انطلقت في تونس الدورة الأولى من جائزة محمود درويش للشعر والآداب والفنون تحت عنوان "الشعر مقاومة"، لترسخ فكرة أنّ الأدب ليس ترفاً فكرياً أو نتاجا مأساويا، بل سلاحاً وجودياً في مواجهة آليات القهر والنسيان. الجائزة، التي تحمل اسم أحد عمالقة الشعر العربي الحديث، تهدف إلى تكريس رؤية درويش للشعر كفعل تحرري، وكممارسة جمالية لا تنفصل عن النضال الإنساني. وقد مُنحت الجائزة للشاعر محمد الصغير أولاد أحمد وتسلمتها أرملته السيدة زهور أولاد أحمد. 

محمود درويش - سيرة الشعر والمقاومة

النشأة والهوية المفقودة

وُلد محمود درويش عام 1941 في قرية البروة الفلسطينية، ليشهد بعين الطفل طرد أهله عام 1947 تحت وطأة الرصاص، ثم يعود بعد ثلاث سنوات ليجد قريته قد محيت من الخريطة، وحل مكانها "كيبوتس" صهيوني. هذه التجربة المؤسسة حوّلت درويش إلى "شاهد على العصر"، حيث يقول في سيرته: "ما يعني القارئ من سيرتي الذاتية مكتوب في قصائدي".

الشعر كأرشيف للذاكرة

 المنفى واللغة: حوّل درويش الشعر إلى وطن بديل، فقصيدته أصبحت "هوية متنقلة" تعيد تعريف الجغرافيا عبر اللغة. في "ذاكرة للنسيان" يكتب: "صوت يشذ عن الأصوات... صوت يحمل المكان ويهرول".

- الأدب والسياسة: لم يكن يفصل بين شعره وانتمائه السياسي، فكان عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكاتباً لوثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني (1988)، التي وصفها بأنها "آخر قصائده النثرية".

فلسفة الجمالي-المقاوم

طوّر درويش مفهوماً فريداً يجمع بين الشعرية والمقاومة، حيث رأى أنّ:

القصيدة هي "التناقض الجميل" بين الحلم والواقع.

الشعراء "حراس الذاكرة" و"مهندسو الوعي".

الجمال الفني ليس ترفاً، بل ضرورة لمواجهة القبح السياسي.

 محمد الصغير أولاد أحمد - شاعر الثورة التونسية الخفية

 

. سياق التجربة الشعرية 

المنابع: تأثر أولاد أحمد (1931-2020) بالتراث الصوفي والموروث الشعبي التونسي، لكنه حوّله إلى خطاب معاصر.

الانزياح عن المألوف: رفض أن يكون "شاعر السلطة"، مفضلاً أن يكون "صوت الذين لا صوت لهم"، كما في قوله: "كتبت تونس لا كما تكتب التقارير، بل كما تكتب القصائد بالدم والعرق".

 المقاومة عبر الجمال 

تحويل اليومي إلى ملحمي: حوّل أولاد حمد تفاصيل الحياة التونسية البسيطة إلى أساطير معاصرة، كما في ديوانه "الأرض والدم".

اللغة كفعل ثوري: استخدم اللهجة التونسية بجرأة، معيداً الاعتبار للهجات المحلية في مواجهة المركزية الثقافية.

 التشابهات مع درويش

وحدة المصير: كلاهما عاشا تحت استعمارين مختلفين (الصهيوني/الفرنسي)، لكنهما حوّلا التجربة إلى خطاب إنساني شامل.

الانزياح عن الوطنية الضيقة: تجاوزا الخطاب القومي التقليدي إلى رؤية كونية، كما في قول أولاد أحمد: "أحب البلاد كما يحبها المجنون، لا السائح".

 الجائزة كحوار ثقافي

  

 تونس-فلسطين: جسر من القصائد

التواريخ المتشابكة: العلاقة بين البلدين تعود إلى أيام ابن خلدون (الذي كتب عن القدس)، وصولاً إلى وجود منظمة التحرير الفلسطينية في تونس.

المقاومة عبر الثقافة: الجائزة تؤكد أنّ النضال ليس عسكرياً فقط، بل أيضاً عبر صناعة وعي جمالي جديد.

معايير الجائزة

 

الالتزام دون دعاية: اشترطت الجائزة أن يكون المبدع "منحازاً للإنسان دون أن يكون أداة دعائية" وأن يجمع بين المحلي والعالمي كما في نموذج درويش الذي حوّل القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية. 

الشعر كاستراتيجية بقاء

هذه الجائزة ليست مجرد تكريم، بل هي استعادة لفلسفة المقاومة الجمالية  التي رأى درويش أنها "تزرع الأمل في زمن اليأس" وتذكير بأن الشعراء هم "حراس الضمير الجمعي"، كما قال أولاد أحمد .

وهي ايضا إثبات أنّ الكلمة يمكن أن "تبقى أطول من الرصاص"، وهو ما تحقق في استمرار قراءة أعمال الفائزين بعد رحيلهم.

 أقوال خالدة

محمود درويش 

  "الشعراء يخترعون أرضهم الثانية: اللغة." 

  "نحن ضيوف على قصيدة... نُكتب ونمضي."

محمد الصغير أولاد أحمد 

  "كنت البيت الذي يحمل أساطير تونس." 

  "القصيدة الحقيقية هي التي تُقرأ في السراديب، لا في القصور."

هكذا، تتحول الجائزة من حدث ثقافي إلى بيان سياسي-جمالي، يؤكد أنّ الشعر لا يزال أقوى أسلحة المقاومة في عصر العولمة والنسيان.